ضوابط العبادة

ضوابط العبادة

تأليف: بريل الراشد

 

مقدمة…

وبعد

إن العبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تنبني على أصول وأسس ثابتة تتلخص فيما يلي :

أولا : أنها توقيفية ** بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها ** بل لابد أن يكون المشرع لها هو الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى لنبيه: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ} .. ( هود 112). وقال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } .. ( الجاثية 18). وقال عن نبيه: { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى } .. ( الأحقاف 9) .

ثانيا : لا بد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى من شوائب الشرك ، كما قال تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} .. ( الكهف 110) فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها ، كما قال تعالى: { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .. ( الأنعام 88) . وقال تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ }..(الزمر 65ـ 66)

ثالثا : لابد أن تكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .. ( الأحزاب21). وقال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} .. ( الحشر 7). وقال النبي، صلى الله عليه وسلم (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) الحديث رواه مسلم . .. وفي رواية (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) متفق عليه .. وقوله، صلى الله عليه وسلم (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) متفق عليه .. وقوله صلى الله عليه وسلم (( خذوا عني مناسككم )). رواه مسلم .. إلى غير ذلك من النصوص.

رابعا : أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير، لا يجوز تعديها وتجاوزها، كالصلاة مثلا؛ قال تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } .. ( النساء 103). وكالحج قال تعالى: { الحج أشهر معلومت } .. ( البقرة 197). وكالصيام ، قال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .. ( البقرة 185).

خامسا : لابد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله تعالى والذل له ، وخوفه ورجائه ، قال تعالى: { أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } ..(الاسراء 57) . وقال تعالى عن أنبيائه: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} .. (الأنبياء 90) . قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} .. ( ال عمران 31 ـ 32) .

فذكر سبحانه علامات محبة الله وثمراتها

أما علاماتها :: فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعة الله، وطاعة الرسول

أما ثمراتها :: فنيل محبة الله سبحانه ومغفرة الذنوب والرحمة منه سبحانه

سادسا : أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلا إلى وفاته ، قال تعالى: { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } .. ( ال عمران 102). وقال تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .. ( الحجر 99).

تنبيه: فصل في محبة الله

لا شك أن محبة الله تعالى هي الأساس الذي تبنى عليه العبادة. ولكن العبادة ليست مقصورة على المحبة كما يزعمون، بل لها جوانب وأنواع كثيرة غير المحبة كالخوف والرجاء والذل والخضوع والدعاء إلى غير ذلك، فهي كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية .. (*( اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة )*) ..

وقال العلامة ابن القيم

وعبادة الرحمن غاية            حبه مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة           دائر ما دار حتى قامت القطبان

ولهذا يقول بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده هو زنديق ، ومن عبده بالرجاء وحده هو مرجئ ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ، ومن عبده بالحب والخوف والرداء فهو موحد . وقد وصف الله رسله وأنبياءه ، بأنهم يدعون ربهم خوفا وطمعا ، وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ، وأنهم يدعونه رغبا ورهبا

 

Tinggalkan komentar